-A +A
ماجد محمد العنزي
بالنظر إلى الخطاب الشبابي بمجمله، المتمثل في مواقع التواصل الاجتماعية مثل يوتيوب، كييك وتويتر على وجه الخصوص، أستشف بوضوح النمط الهزلي الذي يسير عليه أغلب المقدمين لبرامجهم، ومحاولاتهم للسخرية والتهكم من الواقع الذي نعيشه بطرق مبتكرة وجيدة تستحق التأمل. وهذا ليس بجديد على الساحة الأدبية العالمية، فقد انتشر الأسلوب التهكمي في أواخر القرن السابع عشر على يد أدباء أوروبيين كثر أبرزهم فولتير وهنري فيلدنغ وغيرهم، وكان لهم دور ممتاز في إسقاطاتهم الساخرة عبر مسرحياتهم وكتاباتهم في توعية المجتمع بشكل معلوماتي جديد وغريب لم يعتد عليه الناس.
على النقيض يرى الفيلسوف الألماني نيتشه أن التهكم شكل من أشكال الخداع والتلاعب المعلوماتي، وأنه غير مناسب إلا لأغراض تعليمية الهدف منها إظهار جهل التلاميذ بالمعلومة، ويضيف: إن المتهكم يشعر عادة بالاسترخاء بعد تمزيق من انتقدهم، ويشعره ذلك بتفوق وارتياح من خلال إقصائه لكل ما يرفضه، فهو كالكلاب التي تنهش وتعض ثم تضحك في نهاية الأمر على حد تعبيره. ويشك «هيجل» في القدر الأخلاقي للساخر المتهكم، فهو يناقض ذاته ويكون بعيدا

عنها، ويشعر بتفوقه على الآخرين، وأنه أسمى منهم، ويتظاهر بجهله للمعلومة لكي يزعج ضحاياه على حد وصفه.
من خلال مشاهداتي، أرى أن السخرية قد تغلغلت بنا، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا. ويندر أن تجد شيئا لم يتعرض للسخرية والتهكم، مهما كان ذلك الشيء جيدا، وأن شخصية المهرج التي يعرفها المعجم الوسيط على أنها «من يضحِك القوم بحركاته وكلماته وهيئته» أمست اليوم حاضرة في مجتمعنا بشكل مهول لايمكن تصديقه. وحضور هذه الفئة في الحوارات المفصلية لمجتمعنا أصبح طاغيا، هل تقام الحوارات الجادة في أجواء مليئة بالهزل والضحكات الصفراء المصطنعة ؟ هذا محال. تحديدا إذا زاد العيار الهزلي وخرج عن أدبياته وأصبح في متناول العارف والسفيه. حينها سنقع في شبكة عنكبوت لا تزيد المشكلة إلا تعقيدا، وتجعل المسؤول ــ في اعتقادي ــ عنيدا من الدرجة الأولى، أولا لأنه سخر منه وانتهك مقامه، وثانيا لأن منتقديه يضحكون! والضحك يعبر عن قالب شخص سعيد، بغض النظر عن المشاعر الأخرى التي تحشو ذلك القالب. لذلك فالسخرية ليست حلا، بالغالب، وإلباس مشكلاتنا رداء ساخرا قد يعطل من تقدمها، فأغلب من يسخرون لا يعانون، وسينسون ما قالوه، ثم تحل الورطة على أصحاب المشكلة، ولا تحل.